كلمة شهر رمضان 1436هـ

  • تاريخ النشر: 8 يوليو, 2015
  • التصنيف: المدونة

كلمة شهر رمضان 1436هـ

المرارة في رفع التهنئة بشهر رمضان لليمن المنهارة وغيرها من بلاد العرب والمسلمين المحتارة

يا شعوب الأمة في اليمن والعالم سلام الله يغشاكم وعين الله ترعاكم.

أطل على العالم شهر رمضان الكريم وأنتم تعيشون حالة قلقة من الرعب والخوف والجوع .. ولعله معنى من المعاني التي عبر عنها القرآن في الأمة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ   ).

لا أعلم كيف تكون التهنئة في وضع كهذا، ولكنها الأقدار وأسال الله أن يجعل مراده فينا وفيكم خيرا، وأن يعجل بالفرج وزوال الحرج، فرمضان شهر التوبة والأوبة والرجوع.

ولعل ما حل بنا وبأوطاننا كان عقوبة علينا لعدم التزامنا بأمر الله فيما فرض وأوجب، وبتساهلنا في تربية أولادنا وبناتنا حتى أخذ الشيطان منهم النصيب الأكبر لخدمة الهتك والفتك والدمار، والمرء معذور بجهله، أما وقد قرأنا كتاب الله وعلمنا سنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا عذر لنا في المبررات والمغالطات .. فما هذه العلة إلا فقه الأبالسة الهالكين.

نحن مع هذا الشهر وإياكم .. لا بد من تجديد التوبة إلى الله من كافة المعاصي والذنوب .. فإنه لا تنزل عقوبة إلا بذنب ولا ترفع إلا بتوبة، وما هذه الفقاقيع والمفرقعات وآلة الحرب المدوية إلا صوت من أصوات القدر الإلهي المبعوث بالوسائط إلى العباد: (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) [يس:70].

فأنتم شعوب مباركة، ولكم بصبركم وثباتكم على أمر دينكم غاية الثواب والأجر عند الله (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله)[آل عمران:135].. فقد انقطع الرجاء في غيره، فلا رجاء في حكام ولا في علماء، ولا في مثقفين، ولا في أحزاب، ولا في جماعات، ولا أصحاب تخصصات ومستويات، ومن كان منهم صالحاً في ذاته فأمره إلى الله، وأما مسؤولياتنا ومسؤولياتهم التي استرعانا الله عليها فقد فرط فيها الجميع، وذهبوا بمسؤولياتهم نحو الحياة الدنيا وزينتها، وغرتهم الحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور.

يا شعوب الأمة … إنني هنا لا أخاطب إلا الشعوب المظلومة .. شعوب السلامة والأمان والحكمة والفقه المشروع .. هؤلاء رصيدنا المأمول في مسيرة تاريخ التحولات وهجمة الأزمات وتغير المراحل .. أنتم خير ذخيرة للإسلام والمسلمين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)   [آل عمران:200].

اصبروا على طارئ الأقدار وتقلبات الليل والنهار، وصابروا في تحمل المصاعب الحسية والمعنوية والنفسية والاقتصادية، وابحثوا لأنفسكم عن مخارج تصنعون بها الحد الأدنى من اكتفاءكم الذاتي للرزق القوام، فإن أمامكم سنياً كسني يوسف.

فالقوم الذين يصطرعون المرحلة ويقلبون معالمها قد ضمن لهم الإبليس كفاية حاجتهم ورزقهم ومطالب عيشهم، بل وضمن لهم ما يدمرون به حياتهم وحياة غيرهم من أشباههم وأمثالهم ولم يبق في العراء سواكم تستنجدون بمن لا يستنجد وبسببهم تشردون وتنتهكون وتقتلون فيما ليس لكم فيه ناقة ولا جمل.

فبمن تستغيثون؟ … أتستغيثون بعدو قد امتلك أمركم؟ أم بصديق يساوم فيكم وفي أعراضكم ودمائكم، فكونوا أمام هذه الابتلاءات من عصبة أهل الإيمان قال تعالى عن عصبة الإيمان (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال:9]، وكانت الاستغاثة والاستجابة آنذاك قائمة على شروطها الشرعية، و أما اليوم فأعيننا ترمق المال وأهله، والحاكمية والدولة، والعالم الغربي والشرقي ووصله، فانقطعت بنا الأسباب، وفقدت حقائق التواصل بيننا وبين الخالق، ولا بد لنا من الاعتراف، فالاستكبار على الله والادعاء بالسلامة صفة الكافرين والمنافقين والمرجفين والمعوقين.

لابد أن نعترف بذنوبنا وإن كنا لا نرى في أنفسنا ذنباً نعمله، لا بد أن نمرغ خدودنا في ثرى الأرض تواضعاً لله وطلباً لعونه وغوثه لنا ولأبنائنا وبناتنا ونسائنا وأوطنانا وحاضرنا ومستقبلنا .. فلا نرى في الأفق غير الإعتام وسوء الظلام.

ومن اعتمد على مخلوق أوكله الله إليه، ومن اعتمد على الخالق مع التقوى والاستقامة أخرجه من ضيق الحياة إلى سعتها: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2-3].

يا شعوب الأمة لقد دخلتم مرحلة المحاصصة والمساومة بالشعوب بعد أن امتلك الشيطان الزمام في مسألة المساومة بالديانة والأمانة، ودخل العالم المعاصر إلى مزاد سوق العرض والطلب، ولم يبق من أمل ـ فيما نعتقد ـ إلا أن نستبصر الأمر من حيث يجب الاستبصار، ونتدارك الوقت الباقي من سير عقارب الفتك والهتك فينا وفي أوطاننا بالابتهال والتضرع إلى الواحد القهار.

فلا الدين عالج المشكلة على أيدي المتدينين، ولا التمدن عالج المعضلة على أيدي العلمانيين واللبراليين، وإنما احتشد الجميع في مسارب الحيرة والفشل يخدمون ويهيئون الشعوب لمسيرات الدجل، ومليونيات الوجل، وعلاجنا اقتصادياً واعتقادياً واجتماعياً وسياسياً ليس فيما نشهده من الزفير والشهيق والنهيق والزعيق، فهذه مجموع أصوات الأبالسة في مجتمعات الذلة وبيع الرقيق، وقد بلغت فيما بلغت إليه هلاك بعضها البعض وخراب بيوتها بأيديها وأيدي المؤمنين بقضاياها المرحلية: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)   [الحشر:2]..

فهل من عودة ورجوع، وتوبة وخضوع، فالحل كل الحل عند الشعوب المظلومة.. الحل عند الآرامل والأيتام والنازحين والمشردين والمشوهين والفقراء المعدمين: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله)[الحج:40] .

يا فقراء الأمة .. يا بسطاء الأمة .. يا من يبيت أحدكم في العراء بلا غطاء ولا مأوى، وبلا غذاء ولا دواء، يتطاول عليكم المحسنون بإحسانهم، ويتنافس المتنافسون في الامتنان بسقيكم وإطعامكم وكأنكم بهائم في زرائب المتنفذين والمستثمرين، أو قطعان غنم بين يدي باعة وسماسرة محترفين .. إنه لا أمل في إنقاذ ما حل بنا غير أمر واحد لا ثاني له .. أن نفعل ما فعله قوم يونس (إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)   [يونس:98] .

فيامن كشفت عذاب الخزي عن قوم يونس اكشف عنا ما نحن فيه من البلاء واللأواء فهذه أكفنا إليك ممدودة، وقلوبنا ونفوسنا مما حل بها مكدودة، ولسان حالنا أفصح من لسان مقالنا، فلا مزيد يا مولانا على ما حل بنا من الأذى والردى والاعتداء ودماء الشهداء .. تقطعت السبل وانعدمت الوسائل وتلقفت أشلاء القتلى غربان السماء وكلاب المزابل، وانتهك المسلم أخاه المسلم، واختلط الحابل بالنابل، فإلى من نرجع، وإلى من نؤوب، وإلى من نبكي وإلى من نتوب مالنا غيرك ومالنا رب سواك.

اللهم إن ألسنتنا عاجزة عن وصف حالنا وشرح ما بنا وأنت علام الغيوب وأنت ستار العيوب، وأنت كشاف الكروب.

اللهم فرجك العاجل العاجل، ولطفك الشامل الشامل، ورضاك التام الكافي الكامل، فليس لها من دونك كاشفة.

اللهم ندعوك بدعاء حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم ساعة انقطاع أمله فيمن حوله من الأشباه والأمثال.

اللهم نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس يا أرحم الراحمين .. أنت رب المستضعفين وأنت ربنا إلى من تكلنا إلى بعيد يتجهمنا أو إلى عدو ملكته أمرنا.. إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لنا نعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل علينا غضبك أو أن يحل علينا سخطك .. لك العقبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم…

المرصد النبوي

آخر المنشورات

  • أخبار 29 أكتوبر, 2023 تهنئة وشكر في ختام فعاليات الحلقة العلمية في ذكرى دخول الإمام العيدروس إلى عدن
    29 أكتوبر, 2023 تهنئة وشكر في ختام فعاليات الحلقة العلمية في ذكرى دخول الإمام العيدروس إلى عدن

    يشكر مجلس مكتب الموجه العام لأربطة التربية الإسلامية ومراكزها التعليمية والمهنية تابع القراءة

    تهنئة وشكر في ختام فعاليات الحلقة العلمية في ذكرى دخول الإمام العيدروس إلى عدن
  • أخبار 29 أكتوبر, 2023 اختتام فعاليات الحلقة العلمية الثانية والعشرين بندوة: إحياء منهجية رجال النمط الأوسط في مراحلنا المعاصرة
    29 أكتوبر, 2023 اختتام فعاليات الحلقة العلمية الثانية والعشرين بندوة: إحياء منهجية رجال النمط الأوسط في مراحلنا المعاصرة

    ندوة علمية بعنوان: "إحياء منهجية رجال النمط الأوسط في مراحلنا المعاصرة" تابع القراءة

    اختتام فعاليات الحلقة العلمية الثانية والعشرين بندوة: إحياء منهجية رجال النمط الأوسط في مراحلنا المعاصرة
  • أخبار 29 أكتوبر, 2023 مسجد الإمام العيدروس بعدن يحتضن احتفالية يوم المسجد
    29 أكتوبر, 2023 مسجد الإمام العيدروس بعدن يحتضن احتفالية يوم المسجد

    ضمن فعاليات الحلقة العلمية الثانية والعشرين في ذكرى دخول الإمام العيدروس الى عدن أقيم تابع القراءة

    مسجد الإمام العيدروس بعدن يحتضن احتفالية يوم المسجد
  • من أقوال الحبيب

    إن من واجب العلماء والعقلاء من الحكام ومنفذي قرار العلم والديانة أن يقدروا للأمانة قدرها فيعملوا ما استطاعوا على إعادة لحمة العلاقات الإيمانية بين المذاهب والجماعات والأحزاب والفئات والطوائف والتيارات على أساس مفهوم القواسم المشتركة

    إن قراءة الأمة في مناسباتها الإسلامية تاريخها الشرعي من خلال سيرة الشهور الهجرية وذكرياتها الأساسية على عهد صاحب الرسالة خير باعث علمي وعملي لغرس مفهوم العزة بالله ورسوله ومفهوم النصرة الإيمانية تجاه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مراحل التحول والتبدل والتحلل المعاصر

    إن الإسلام ديانة.. والديانة ثوابت وأسس ومقومات وبمقدار إعادة الشعوب علاقتها بالديانة والتدين يبدأ مشروع التحصين الإيجابي ضد فيروسات الانحلال والابتذال في حياة النساء والرجال

    الدين سلاح الإيمان والأمان.. من وجهة نظر الإسلام، أما من وجهة نظر أعدائه فهو أفيون الشعوب.. ومن حيثما نبعت ينابيع المعرفة للرجل والمرأة جاء الماء زلالا يحيي الموات، أو ملحا أجاجا يهلك الحرث والنسل والنبات.

    كن كما تريد في الكتل والجماعات والمذاهب.. فلا علاج ولا حلول.. ولكن القيمة الفعلية تبدأ بمقدار معرفتك لقيم الآخرين بقواسم الديانة المشتركة وتوحيد الجهود نحو الهدف الغائي المشترك وبهذا تبدأ الخطوة الأولى في المعالجة

    الحبيب أبوبكر المشهور

    استطلاع رأي

    ما رأيك في الموقع؟

    التصويتالنتائج