نموذج تربية السلف من خلال عرض حياة الحبيب عبد القادر السقاف في الخلف

6565

الحمد لله الذي جمعنا وإياكم في هذا الموطن المبارك الذي سمعتم الإشادة به والحديث عنه وأنتم فيه تترقون ليل ونهار بسر أنوار الرجولة التي أودعها الله سبحانه وتعالى بالوسائط في هذا المكان.

والوسائط هم الذين نووا النيات الصالحة في مثل هذا المبنى, وهيأ الله على أيديهم مثل هذا المظهر, وبارك الله لهم في نياتهم الصالحة فبرز مثل هذا الجوهر, والجوهر هو أنتم طلبة العلم الذين هيأكم الله من أفجاج متنوعة, ومن أشتات بلدان كثيرة, إجتمعتم في هذا الموطن المبارك لطلب العلم.

ولا شك أن طلب العلم لا يقف عند قراءة الكتب, وعند حفظ المتون, وعند تحقيق العبارات والمواضيع, وإنما هذه معلومات يجمعها الإنسان في عقله, وقلبه, وبقلمه, وفي مذكرته, وبعد ذلك يبدأ أمرٌ آخر لتطبيق ما تعلم, تطبيق ما درس, العمل بما علم, التحقق بثمرات المعرفة, وكلكم أعرف بذلك, وأدرى بذلك, ولا شك أنكم تسعون في حياتكم لذلك.

وهذا هو ما يميزكم ويميز أشباهكم وأمثالكم في الأربطة, وفي مثل هذه الدور, وفي مواطن التعليم الأبوي النبوي بالنيات التي يضعها رجال هذه المواقع نياتهم في الناس قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرء ما نوى” فأناس بنوا مواقع كبيرة للتعليم ماهي نياتهم فيها؟ وهؤلاء بنو مواطن لكم, وجمعوكم فيها لأجل أن تنالوا نصيباً من هذا العلم والعمل به, وبهذا يتخرج مفهوم الرجولة التي سمعتم عنها في صفات التميز في الرجال, وما أعتقد أن كل واحد منا ومنكم يتمنى أن تكون عنده نسبة من هذه المعاني, تكون عنده نسبة من الرجولة, تكون عنده نسبة من الاستعداد لتلقي الفيوض التي يضعها الله سبحانه وتعالى في أوليائه, في أصفيائه.

وما اجتمعتم ولا جئتم, ولا وفدتم إلى هذه المواطن, ولا صبرتم على ما تدرسون وتعلمون وتتعلمون إلا من أجل حصول هذا العطاء الرباني الذي هو نصيب وافر واجب أن يناله كل متعلم, وكل متفقه في الدين.

جاء في الحديث الشريف المروي عن الحبيب صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين” من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين, فإذا أعطاك الله هذا المعنى من معاني الفقه في الدين, ونصبك عَلَمْ من الأعلام في خدمة سيد المرسلين, وفي خدمة السلف الصالحين.

فإذا هيأ الله لكل واحد منا ومنكم حسن الاتباع لسيد المرسلين, وللسلف الصالحين بما يناله من نصيب العلم, بما يناله من نصيب العمل, بما يناله من نصيب التصفية والتزكية التي هي أساس بناء الرجولة في الرجال.

فهمتم مثل هذا الكلام بارك الله فيكم لأننا كلنا نحن وإياكم معنيين به, وما فتحت كما سمعتم مثل هذه الدار, وغيرها من الأربطة التي عرفتها تريم, وعرفتها سيئون, وعرفتها جميع هذه الأودية المباركة, وما بعدها, وما وراءها إلا من أجل تجديد حس الرجولة في الناس لأن الشيطان يميت الرجولة.

 وكما سمعتم الرجولة هي: مرتبة وهي ميزة وليست جنس بشر هذه الرجولة, ولعلنا في أمس الحاجة لنعرف نماذج هذه الرجولة, فإذا نحن نرى الأربطة ونرى دُوُرَ العلم, وهي ثمرة من ثمرات الرجولة التي نواها الأوائل, ونواها الشيوخ, وبذروها على مدى تاريخ زمني معين لأجل إبراز مثل هذه الوجوه الطيبة المباركة, وجاءت الأزمنة وغيرت الأسباب لأنه في نيات سيئة أخرى والعياذ بالله, وعمل شيطاني آخر ليعرقل مثل هذه المظاهر الربانية, ويُفسد الرجولة في الرجال, ويفسد مفهوم الرجولة في الأنثى, لأن الرجولة مرتبة تحمل الرجل وتحمل المرأة ليست مخصوصة بالرجل لأنه المقصود به الجنس أو النوع, وإنما مقصود به المرتبة والمقصود به المقام, وقد يفوق في عالم الرجولة بعض النساء على الرجال كما هو في سيدتنا مريم عليها السلام, في سيدتنا فاطمة وسيدتنا خديجة وغيرهم من النسوة الآتي بلغنا إلى هذه المراتب كآسية بنت مزاحم, وغيرهن من النساء الآتي بلغنا مرتبة الرجولة من حيث المراتب.

وهذا يجب أن تدرسوه, وتعرفوه, وتعلموه لأنه جزء من تحريك البواطن لهذا الميراث النبوي العظيم.

ومن الرجال الذين ساروا على هذا النهج واتبعوه, وتحلو به, وسعوا في سبيل غرسه فيكم وفينا, وفي المجتمع, وفي الزمان, وفي العصر من سمعتم الكلام عنه شيخنا وشيخ الجميع الحبيب عبد القادر بن أحمد رحمه الله.

وهو أب الكل أب المرحلة والزمن والعصر كله, وهذه مواهب ما يتحكم فيها العقل, نحن في سن الشباب أو الفترة التي ارتبطنا بها بالحبيب وارتبط به العشرات من الناس جئنا بعقولنا, وحاملين موازين فهمنا, وفرحانين بشهاداتنا, وفلان خرج من جامعة, وفلان جالس أهل محاضرات ومناظرات.

فعندما رأينا هؤلاء الرجال في هدوئهم, وسكينتهم, وتصدرهم, وبركة الجلوس معهم ما يلتفتون إلى شيء من هذه المظاهر إلا بما يتناسب مع حاجة الإنسان للحياة, ولهم هم ثاني يحبون كل إنسان, ولكن ما يحبونه كما سمعتم لصورته, ولا لملبسه. ولا لتجارته, ولا لمركزه, ولا لمنصبه, ولا لشهادته, ولا لمرتبه, ولا لشيء مما قد يلتفت إليه في مستوى عقل البشر.

كل شيء يهمهم هو سلامة القلب, حتى صار هذا العلم الذي هم عليه هندسة القلوب, وبعدها هندسة الأرواح, وبعد ذلك تصبح القلوب والأرواح متداخلة, فيغلب هذا العلم وهذا الفيض الذين يربون عليه من يحبون, ومن يحب حتى يصبح الجسد فاني كله يصبح روح يقول الإمام الحداد:

نعم عالم الأرواح خيرٌ من الجسم

وأعلى ولا يخفى على كل ذي علم

وهذا ليس مخصوص بالكبير الذي قد كبر في السن, ممكن يكون لأي شاب منكم لكن هل عندك تطلع؟ هل عندك تشوق؟ هل عندك تذوق؟ هل عندك تحقق بما يناسبك؟ بما يناسبك في سنك, النبي عليه الصلاة والسلام لما كان يلقي على الناس القرآن والرسالة رأيتموه فصل بين الكبار والصغار, جعل الصغار لهم دروساً خاصة, والكبار لهم دروساً خاصة.

كل الذين يتلقون عنه صلى الله عليه وسلم بأعمار متنوعة, أو فاق بعض الصغار والشباب على بعض الأشياخ الكبار في مجلس الحبيب صلى الله عليه وسلم, والحديث مليء بهذا لأن الحبيب كان يريد أن يبحث عن صفة الرجولة سواءً في الكبير أو الصغير, في الذكر أو في الأنثى, وينميها بمدلولٍ واحد, لأن لغة التخاطب في الرجولة ليست مبنية على السن, لكن مبنية على الحال.

فإذا صلح حالك خُوطِبْتَ بكلام الكبار, ولو كنت في السن صغيراً, وإن لم يَصْلُحْ حَالُكْ ما تفهم كلام الرجال وإن كنت كبيراً.

فهؤلاء ومنهم هذا الإمام الكبير الذي هيأ الله ظهوره وبروزه في المرحلة الأخيرة بالطبع بعد اختبار, لا تعتقدوا أن هؤلاء بلغوا المرتبة وجلسوا على مراتب الخلافة لمجرد التصور أو الدعوة, أو النظرة الشخصية, أو مجرد اتصال فلان بفلان, ومعرفة فلان بفلان, أو انتخبوهم الناس, أو أجمعوا عليهم.

ما أجمعت الناس على هذا القلب المبارك, والإنسان الذي هيأه الله في هذا العصر إلا بعد اختبار, وهذا الذي يجب علينا أن نتفهمه.

كان بعضهم يتكلم عن بعض الأئمة الكبار قال له هذا الإمام وقد تكلمت عني, وعرفت شأني فانظر كيف بدأت, كيف بدأ منهج الطريق؟ كيف نُشّئْ؟ كيف تلقى النظرات؟ كيف سكبت العبرات؟ كيف انضبط الباطن؟ كيف تأدب بأدب الانطواء؟ هذا شيء ما يوجد في عالمكم المعاصر.

 يا أولادي, ما يوجد, ماهو الانطواء في الجامعات؟ ما هو مفهوم الإنطواء؟ ما هو معنى سكب العبرات في أي موطن من مواطن التعليم الموجودة في ساحة الأمة المعاصرة؟.

نحن نعيش في نكبة, نعيش نكبة كبيرة إذا أدركتم خطورتها تسهمون في تصحيح الخطأ الوارد في المجتمعات, وتعيدوا ترتيب أنفسكم, وترتيب الأمة التي تحتاج إلى هذه الرجولة, والنظر في مراتب الرجال الذين هيأهم الله لذلك.

فهذا الإمام شيخنا وشيخ الجميع حبيبنا عبد القادر رحمه الله تعالى تلقى علمه عند رجال, ومنهم والده:

أبٌ يتلقى عن أبيه وهكذا

فيا لك من آباء كرامٍ وأجداد

كم سنوات اليوم أصيبت فيها الأمة أنها ما تتلقى العلم من الأب والأم, صارت بعض البيوت بالنسبة للأب والأم حياة فندقية كما تسمونها, حياة فندقة.

الفندقة: كيف تهيئ للناس الطعام والشراب واللهو والراحة, فصارت بيوت المسلمين ليست مواطن فيض وعطاء ومنح وكرم وبناء رجولة في الرجال وأنوثة شرعية في النساء, وإنما صارت من أجل النوم, ولأجل الأكل والشرب واللهو والنظر إلى ما يدور في هذا العالم من العبث والألاعيب, والأضاليل, وغيرها مما يدور في مجتمعاتكم المعاصرة.

هذا شيء جديد ظهر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم, ليس هذه أمة محمد التي يريد الله بها ما قاله في كتابه: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) الكينونة التي أرادها الله ما هو معلوم في سلوك الرجال المتحدث عنهم, والذي نأمل أن يكون فيكم بإذن الله وفينا أجمعين إن شاء الله.

هذه أمة محمد أمة العزة, أمة الشرف, أمة الكرامة, أمة الصدق, أمة الأمانة, أمة الوفاء بالعهد, هذه أمة محمد التي تنظر إلى الدنيا وما عليها بعين الاحتقار, وتأخذ منها نصيبها من أجل الحياة والاستمرار, هذه أمة محمد, وإذا نظرت لشيء في الدنيا للتعظيم , تنظر لآيات الله في الأرض.

ومن آيات الله في الأرض الأولياء, ومن آيات الله في الأرض طلاب العلم, ومن آيات الله في الأرض أهل الخمول والعزلة الصادقين مع الله في طريقهم إلى الله سبحانه وتعالى الذي لا يُشْغِلْ أحدهم مظهر ولا جوهر ولا شيء مما عليه الناس, وإنما تشغله صلاته وصومه وعبادته , وحسن الرضاء بالله, وبر الوالدين, والانطواء في أمة محمد من باب حسن الظن وكمال المحبة, ولا يتدخل في شؤون تضر الناس هذه آية من آيات الله, ولله في هذا الوجود آيات.

والآيات منها ما هو ظاهر وبارز, ومن الآيات ما هو خافي وخامل, وحبيبنا عبد القادر جمع بين الصفتين, بين صفة الظهور الذي جعله الله تعالى كالشمس, وبين صفة الخمول التي جعلها الله سبحانه وتعالى في هذا الهواء كالأكسجين كلكم تستنشقونه ولا ترونه, سر من سر الله في الوجود, فيض من فيض الله في الحياة يريد الله سبحانه وتعالى به إيصال البركة التي أوجدها في العالم بأمره ,وسخرها في قلوب أوليائه بأمره, وجعلهم موقع لهذا العطاء وهذا البث النوراني بأمره, وهل أحد يرد أمر الله؟ (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ)   [الروم:4], وهكذا نعظم ونتعرف على شرف الرجال, وشرف الرجال كما سمعتم يبدأ من التربية كل واحد منكم بعضكم من قد تزوج وبعضكم بعد لم يتزوج وله آمال في حياته, ما هو مشروع حياتك الذي تفكر فيه لغرس هذه النماذج من الرجولة في الأبناء الذين ستأتي بهم والبنات لأجل يغيروا الواقع الاجتماعي.

لن يتغير الواقع الاجتماعي, ولا الواقع الإنساني بشيء مما ترونه على ظاهر الأرض, سيتغير أولاً بالنيات الصالحة التي تقتبسها وتأخذها من سلوك الرجولة في الرجال, ومما أنت تؤديه.

اليوم مشروع تغيير البشرية, وصناعة الإنسان, وإعادة ترتيب البنيان, وتحقيق ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنان أو كالبنيان” بإيجاد جيل جديد نحن وإياكم المعنيون به.

الجيل السابق كله مجتمعه فيه نماذج من المتناقضات, والخير والبركة, وغيرها من التراكمات التي جاءت بها الأزمنة.

لكن أنتم طلبة العلم في مثل هذه الدار, وفي غيرها معنيون بإعادة ترتيب المجتمع اللاحق والذي سيأتي.

عندكم همم, عندكم استعداد, من أين عرفنا ذلك؟ عرفنا ذلك من همٍّ حملَهُ هذا الإمام الحبيب عبد القادر في حضره وفي سفره, وفي كلامه, وفي نفثات قلبه, وفي سره, وفي جوهره, هذا الرجل ماذا كان يشغله؟ نحن دراستنا في الحياة الحاضرة جمعت بين أن ندرس علوم الشريعة حسب الإمكان والاستعداد عند مشايخنا وعلمائنا, وجزء منها دروس في علوم الدين, وعلوم الدنيا, وما يحتاجُ إليه الناس من الشهادات, وتيسر لنا نصيب مما تسمونه بالجامعة, ولكن لما جلسنا في مجلس الحبيب عبد القادر, واجتمعت عليه الرجال, واجتمعت عليه القلوب, وجدنا علماً أكبر من ذلك, وأوسع من ذلك, وأبلغ من ذلك, وأكثر أثر مما كنت في ذاتي البسيطة والحقيرة أتصوره في هذا الوجود.

وجدنا علماً آخر, وجدنا ما يسمى بعلم السلوك, عرفنا ما يسمى بعلم التلقي, عرفنا ما يسمى بعلم الانطواء, عرفنا ما يسمى بعلم الأدب مع الله ومع أهل الرتب.

علم بكامله, لكن ما يتلقى بالدفاتر, ولا يتلقى في الكتب, ممكن تقرأ  إحياء علوم الدين كلها, لكن تكون هذه القراءة عبارة عن قراءة مجردة, لكن هذا الكتاب أين ينطبق؟ ينطبق في قلوب الرجال, في هؤلاء الأئمة لما ترى مسلك هذا الإنسان, وتجالس هذا الإنسان, وتعاصر هذا الإنسان, وتختلط به بالصدق والإنطواء والمحبة ترى إحياء علوم الدين فيه, ترى ما يتكلم عنه الغزالي في ترك المهلكات موجودة فيه, في ربع المنجيات موجوده فيه, من أين تحقق بها؟ التدرج في النشأة والتنشأة كانت على هذه المنهجية الربانية التي كانت في حضرموت, وكانت في كثير من بلاد العالم, لكنها حُوصرت حُوصرت حُوصِرت حصار شيطاني مثل ما تسمون هذا العالم الملئ بالفيروسات والجراثيم, يحاصرون الإنسان الصحيح حتى يُسقطونه ويقعدونه.

فهناك جراثيم في الفكر, وجراثيم في الوع, وجراثيم في العلم, وجراثيم في العلاقات سيطر الشيطان على بعض الناس وجعله مثالاً لها, فصار يكره مظهر الأولياء, ومظهر العلماء, ومظهر الصُّلحاء, ومظهر أهل البيت الكرام, وينازعهم في ذلك ويحاصر هذا المنهج.

إما أن يستغل ضعف الجسم, ما الذي يجعل الجسم يموت؟ ما هو الذي يجعل الجسم ينهار؟ وكيف يدخل عليك المرض, وكيف تدخل عليك فيروسات, و كيف تدخل عليك جراثيم إلا من علة حصلت عندك فاخترقك هذا الجرثوم وهذا الفيروس, فأقعدك وأُصِبْتَ بالحمى والملاريا وغيرها من الأمراض التي صارت جزءاً مما نعرفه في حياتنا.

أيضاً منهج أهل الله, منهج السلامة, منهج الأمانة, منهج الوراثة, منهج الخلق المحمدي, تعرض لهذه النكبة عندما حصل الضعف فيمن يحمل هذا المنهج, فاخترقهم الشيطان وبدد عليهم الوقت والزمن والجهد والهمم حتى تركوا هذا المنهج, وجاءت والعياذ بالله جنود الشر وجنود إبليس, وجنود الدجاجلة فضيعوا على الناس هذا المنهج في التربية, وهذا المنهج في التعليم, وهذا المنهج في الدعوة إلى الله, وهذا المنهج في طلب الرزق, وهذا المنهج بما يعرف بالتوكل على الله, وغيرها من المراتب التي تكلم عنها الرجال, وتكلم عنها الشيوخ, وكما سمعتم رأيناها وعرفناها في شخصية هذا الإمام رحمه الله حبيبنا وشيخنا الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف.

 وأُريدكم أن تفهموا يا أولادي ويا إخواني أن المسألة ما هي مسألة إعجاب بالرجال, ما هو إعجاب, قد يعجب إنسان بإنسان ويمدحه, لكن مجرد إعجاب, ما نتكلم عن إعجاب, وليست المسألة مسألة إندفاع في تعرف على رجل والتأثر به وصرت أمدحه, لا ليس كذلك, مدى أكثر من عشرين سنة إلى خمس وعشرين سنة, ونحن نعايش هذا الحبيب وهذا الإمام في حياته الخاصة وحياته العامة, ويُعايشه أولاده وأُسرته فيرون إنساناً في السلوك متفرد, وفي حالة الغضب متفرد, وفي حالة الرضى متفرد, وكلها جاءت من التنشئة.

أنتم الآن ضمن تنشئة, أنا أعرف أن بعض طلاب العلم ما يرتاح ولا يريد أن ينضبط لهذه التنشأة التي يُوجه إليها في مثل هذه الدار, يبحث عن الحرية, يبحث عن الحركة, يرى العالم هذا المتحرك, يرى الصور, يرى الأفلام, يسمع ويتأثر بما يرى ويسمع, وتحركه عاطفة الشباب, والاندفاع, والتصورات الذهنية, والتسويلات النفسية, والتسويلات الشيطانية, تدمر عليه الداخل فيضيق, متى سأدرس, ومتى سأتخرج, ومتى سأتزوج, ومتى سأعيش في الحياة, ومتى ومتى يمسك نفسه ويخرج, يدمر نفسه بنفسه: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ) [الحشر:2]  والأصل في هذه الرجولة التي بناها الله تعالى بالوسائط في هؤلاء الرجال الصبر عند التدرج في الترقي, هكذا يترقى ويصبر: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)   [البقرة:153], لما تصبر خمس سنين في هذه الدار, أو في أي موطن, تصبر ـ تصبر على المجاعة إذا كان أنت ما لديك مال, تصبر على قهر المعلم, تصبر على ضوابط الموقع, تصبر على منعك مما أنت ترغب وترجو, هذه هي تربية, عندما تصبر فالله سبحانه وتعالى عنده العوض, يعوضك بديل عما كنت تبحث عنه بشيء باطني, يُسمونه الرضا, يُسمونه الأُنس, تأنس بالله, تحب الشيخ, معنى الشيخ المربي, ومحبتك لشيخك ومربيك والانطواء فيه يقربك على مسافات استعداداتك إلى الله سبحانه وتعالى.

أنت لما تحب الشيخ ما هو تحبه لذاته, لكن تحبه لصفاته, وتحبه لأنه رابطه بينك وبين المولى, ولأنه مباشرة وقد عرف مسلك الطريق, وعرف مجاهل الحياة, يطوي لك مسافة الانطلاق حتى يُبلغك إلى موقع الأمان من غير تعب.

هكذا كانوا شيوخنا, والشيوخ الذين من قبلهم, وسمعنا قصيدة للشيخ عمر المحضار وهو يتكلم عن تريم ومراتب تريم لأنه كان رجل المرحلة, ويتكلم عن القوة المعنوية, والقوة الحسية التي يملكونها في سبيل التأمين, وفي سبيل الحفظ لما أُلزموا به من الآمانات, سواءً كان في البلد بعمومها, أو كان في أبنائهم بخصوصها, أو كان في درجة النسبة التي ارتبطوا بها بدءاً من عند المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهايةً بهم في تلك المرحلة التي عاشوها.

هكذا كان الرجال, وحبيبنا عبد القادر كان على تلك الصفة, بالطبع مع اختلاف الزمان, واختلاف المكان, واختلاف الأسباب, لكن الرجُولة هي الرجولة, أين ما كنت وحيث ما كنت, وأين ما كان الإنسان وحيث ما كان, فهل عندكم شيء من الاستعداد؟ قد تقولون نعم, لكن هل عندكم شيء من الاستعداد؟ لا أقصد الاستعداد الآن أنتم الآن متحمسين ومتأثرين بالمجلس فقط, لكن هل سيبقى معكم هذا الاستعداد؟ هل عندما يبدأ عندك العد التنازلي, ويبدأ الضيق والهم, وتبدأ عندك النفس تغلب عليك, والشهوة تغلب عليك, والتصورات الذاتية تغلب عليك هل ستذكر هذا الكلام؟ وتبدأ تُعيد ترتيب نفسك, وتجهد نفسك في أنك تظل صابر لأجل تنال المعية؟: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ), وتصبر حتى يظهر الله الثمرة عليك.

كان يقول حبيبنا وشيخنا الحبيب عبد القادر (إني كنت دائماً أسمع من والدي يقول يا فلان هذه الساعة خلوها للمنصب, هذا الشال بغيناه للمنصب, قال لما أسمعه يقول لي هذه الكلمة في ذلك السن ما يفهم لها معنى, منصب ماذا؟ أيِّ منصبة ستعطى له وهو في ذلك السن) وهذا الذي يتصوره أي إنسان منا, إنه يريد كل شيء في ساعته الآن,.

ولهذا البعض منا قد يستعجل بعض الأشياء بالمظهر, رأى مثلاً واحد لبس خاتم أو لبس عمامة سوّى له جبة وعمامة وخاتم, وعمل له سواك وصار يحافظ عليه بالمظهر, ويعتقد أنه سينال تلك المرتبة, لن تنال تلك المرتبة, لكن أنت مطلوب منك هذا من حيث التشبه:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم     إن التشبه بالرجال فلاحُ

لكن هو تشبه, ما هو تحقق, لا تشغل نفسك بهذا التشبه, وتظل قائم عند هذا التشبه.

الأمر الثاني: أحياناً يجري الله للبعض المرائي الصالحة, فيعتقد أن المرائي الصالحة هي تحدد حياته ومصيره, ومقامه ومرتبته, فإذا رأى النبي عليه أفضل الصلاة والسلام, ورؤيا النبي حق صار يعتقد أنه من كبار الأنبياء, وإذا رأى الصالحين صار يعتقد أنه من كبار الأولياء, هذه تربية ربانية يبعثها الله لك ليطمئن خاطرك, في ناس ما رأوا النبي, صلوا على الحبيب, بعد أن اطمئن الحق على سلامة قلوبهم, وهذا لا يعني أن رؤْيا النبي مطلب لا هذه مطلب كبير, لكن عند ما تجعل المريد مشغول بها.

أذكر في أيام السلوك والتربية سيدي الوالد رحمه الله على نفس نموذج الحبيب عبد القادر, رأيت له رُؤيا عظيمة, فكتبتها في الكراس, والكراس كان معي فيه النشيد والأوراد, والمرائي وغيرها, وهذا درس لنا, درس لنا جميعاً في تربية الرجال الذين يدرسون الرجولة, ولما كنا نقرأ القرآن في أحد المساجد في البلد التي نحن فيها ما بعد صلاة العصر على حسب الترتيب في الورد المألوف عندهم, أنا خرجت لأتوضأ أخرجت مذكرتي ووضعتها في المكان وذهبت أتوضأ ورجعت, عندما رجعت, وجدت والدي يبكي بكاء شديد, وينتحب وفي حالة متغيرة, والكراس هذا بيده, وكان يقول لي هذا الكلام الذي كتبته امحُه, إمسحُه قلت له هذه رؤيا أنا رأيتها, قال لماذا كتبتها؟ بغيتني أفرح بها, أنا كذا وأنا كذا, إلى حد أن يقول أنا مجرم, أنا لست إنسان, وكان يبكي ويشهق بالبكاء عن نفسه.

هؤلاء قد بلغوا المراتب, شفناه يقوم الليل, يصوم النهار, وهو داخل العمل وهو يقرأ القرآن, وفي طريقه وفي ذهابه وفي إيابه, ومجاهد في سبيل الله, ويقول لشبهنا ومثلنا, ونحن فرحانين بالرؤيا قال أنا مجرم, إبعد مني هذا الكلام إحرقها, وفي نفس الوقت نزعت الأوراق, وقطعتها أمامه حتى لا أشوش عليه.

أنا كنت فرحان بالرؤيا, وكل واحد منكم فرحان بالرؤيا بالرؤيا,. والرؤيا رسالة, رسالة نبوية, رسالة ربانية, لكن لا تغتر بها, ولهذا يقول السلف (الرؤيا تسر ولا تغر).

الحين المشكلة لما يصير الغرور, هؤلاء الأئمة على هذه الصفة, يُربون الباطن, ويربون الظاهر, فإذا رآك تفرح بالرؤيا قطعها عنك, وإذا رأى أنه انقطع عنك المدد فتح الباب بها, وهذه آدابهم, وهذا نوع من السلوك الذي أتمنى أن تفهموه, وتدركوه لأجل تعرفوا التميز في تربية الرجولة عند هؤلاء الرجال الذين ما يوجد في العالم, إلا عند أهله.

كنت أرى الحبيب عبد القادر دائماً مع بداية ارتباطنا به إلى حد أنها قد يمر في الأسبوع عدة مرائي بحكم الارتباط, بعد فترة من الفترات كم سنوات انقطعت هذه المسألة ولم أعد أرى, يمر الشهر والشهرين والثلاثة, والستة الشهور وما أرى, كل واحد منا يتشوش, معناه أنه في شيء قاطع أدى إلى ذلك.

 والرؤيا ما هي لأجل تفرح, الرؤيا هي أن تجعلها طريق لك للسلوك فقط, لأنها رسالة كما قلت لكم ربانية لطالب العلم, وللمريد الذي يريد هذا الطريق, فسألت هذا الحبيب يوم من الأيام, وقلت له كانت الفرص مناسبة لرؤيتكم دائماً, والآن تمر الستة الشهور وزيادة ما نراكم قال: (إذا اطمئن الشيخ على المريد انقطعت عنه الرؤيا).

شوفوا كيف التربية, هذا شيء يفرح, لكن شيء يُخيف, (إذا اطمأن الشيخ على المريد انقطعت عنه الرؤيا) بمعنى أن الطريق فيها شيء من السلامة, إذا اغتريت بهذا, ورفعت راسي بهذا, إذن أضعت على نفسك شيء, فجأة تأتي الرؤية ثاني مرة, ويأتي من تهذيبهم وتأديبهم في فواتحهم.

نحن لنا أعمالنا في الليل والنهار, ونسعى ونضحك ونلعب, وكل شيء نعمله بطبيعة حالنا في حياتنا, عندما يختم الجلسة حبيبنا عبد القادر, وهذه الأشياء شوفوها مكتوبة في ما جمع من كلامه, وفي فواتحه, إذا رتب الفاتحة كل واحد يسمع, كل واحد يعطيه ما يناسبه في المجلس لأجل يعيد هندسة سلوكه, ويذكر له ما الذي عمله في الليل, وما الذي عمله في النهار, وما المعصية, وما الذي ما ينبغي, وكيف التوبة, ويعالج الأمور من غير ما يزعجك, من غير ما يخيفك, من غير ما يقلقك حتى تشعر أحياناً عندما سترتكب الخطأ إنه بكرة أنا سأجلس عنده, والحبيب سيلمح للحضور هذا الأمر, وحصول هذا الأمر.

كلكم ستعتقدوا وستقولوا هل يعلم الغيب؟ لا لا يعلم الغيب, لا يعلم الغيب إلا صاحب الغيب, لكن الحبيب عليه الصلاة والسلام يقول: “إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظرُ بنورِ الله” هذا نور الله الذي نحن نحتاج إليه , والمجتمع يحتاج إليه, الدول تحتاج إليه, المنظمة تحتاج إليه, الجامعات تحتاج إليه, المجتمعات تحتاج إليه.

انزلوا مجتمعاتكم, اسمعوا هذا الطنين والحنين الذي يدور فيه نزاع الصوفي والسلفي, والشيعة والسنة, انزلوا شوفوا الواقع, ويمكن فيكم ناس على تلك الصفة.

هذا هو الركام رُوُكِمَ على مدى الأزمنة لعدم وجود المربين, المربين يزيلون منك هذه السخائم, والقاذورات, والنظر في نفسك, والنظر في المذهب, والنظر في الفكرة, والنظر في الرؤية, ويقولون لك هذه كلها وسائط فيها الصواب وفيها الخطأ, إجعل عقلك وقلبك ناظر حقيقةً إلى الحيُّ القيوم, وإلى الرسالة التي جاء بها النبي محمد, وبعد ذلك لا تعجل نفسك على إسقاط ذاتك وعقلك ووعيك في شيء من هذه المصائب التي وقع فيها أهل العلم حتى صار كل واحد عدو للآخر, وصارت أجهزتهم وكتبهم, وعلاقتهم, ومشيختهم كلٌ يعيش على حساب الآخر.

هذا ليس دين, هذا توظيف للدين, وأما الدين: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)، (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ…) كما أشار القرآن: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ) إذن ما في لنا شهيد إلا الرسول, ومفهوم الشهادة الإقرار العقلاني والقلبي مننا أن الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم تعرض عليه أعمالنا, ويدرك حالنا, وإن كنا من بين الأمم كثرة, لكن تعرض أعمالنا عليه, ويعرف الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم حال كل إنسان في برزخه, وأما لما كان في حياته صلى الله عليه وسلم, فكان بمعنى الشهادة الحاضرة شهيداً على الأمة, ثم تجتمع هذه الشهادات يوم القيامة, يوم يصبح النبي صلى الله عليه وسلم شهيد على الكل, وشهيد على أولئك الذين أصلح الله بهم من المجتمعات, هذا التفرد “الرجال الذين يحيون ما أمات الناس”، “بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً كما بدأ”.

هل أحد يتحقق منكم الآن إننا نحن نعيش غربة من الدين, ثم انظروا للجماعات الموجودة في ساحة الحركة هل أحد منهم يحس بهذه الغربة؟ يقول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: “بدأ الدين غريب, وسيعود غريباً كما بدأ” طيب كيف يارب, كيف يا رسول الله, قال: “فطوبى للغرباء الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي”، ما هي سنتك يا رسول الله؟ نطبع الكتب, نتكلم فوق المنابر نقيم صراع بين المسلمين؟ نرجع للأمثلة في مثل هذا الإمام الحبيب عبد القادر الذي عاش في المجتمعات التي تخافه الرؤية, عاش في مجتمعات لا يمكن على الإطلاق أن يُدْعى فيها لمجلس من المجالس ليتكلم فيه.

لكن كما سمعتم قبل قليل كيف استطاعوا أن يوجدوا هذا التوازن وهو السلوك النبوي المحمدي الذي جعل النبي يعيش في مكة مع أعداءه من الكفار مع شيء من التوازن والصبر على الأذى, والصبر على القهر, والصبر على اللمز, والصبر على الهمز, والصبر على النبز, والصبر على الكلمات المؤذية, والارتقاء من فوقها كمثل ما ترون من الجبال تهطل عليها الأمطار وهي دائماً لا تتأثر, ولا تتغير قال تعالى: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) هذه الرواسي, نحن ما نحتاج إلى ما عليه الناس, شبعنا وسمعنا ورأينا وعشنا ولا يحتاج أكثر مما عليه العالم, إن كانوا يبحثون عن تنمية, وإلا عن تطور, وإلا عن اقتصاد, وإلا عن حرية, وإلا عن مُسَاواه, وإلا عن أي شيء, كل هذه المطالب التي ترونها في هذا العالم وهي لا تساوي أمام ما نحن بصدده مثقال ذرة,.

لكن هل عندكم استعداد؟ أعيد الكرة مرة أخرى, يوم كان هذا إمامنا وشيخنا الحبيب عبد القادر, وقد أبرزه الله في مظهر التربية, ومظهر التنشئة, ومظهر الرجولة, كان يقول هكذا: (عندنا أمانات, من يريد الأمانة يأتي إليها, ويأخذها) ويوم من الأيام بعد أن تعب, وأنهكته حمولة الزمان والمكان والظروف زار المدينة وكنا ولله الحمد معه, وكان أمام الحضرة المباركة ينحب الحبيب ويبكي, ويشير إلى أن الأمانات التي حُمِّلها قد أعطت حقها, وأعاد كل شيء إلى مكانه.

بالطبع هذا كلام قد يكون البعض لا يفهم, لكن هذا مسلكهم, وهذا طريقهم, وهذا منهجهم, وهذا عطاء الله فيهم, وهذا العلم الذي لدينا فيه الإثباتات الحقيقية أنه علمُ الإحسان “أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك” وهو العلم اليتيم, الآن هذا العلم يتيم, لم يَعُدْ أحد يرعاه, ولا يُراعيه.

علم الإحسان, لا يوجد له أحد, فإن عاد شي لكم رغبه من خلال هذه الدار, ومن خلال أشباهه وأمثاله من الدور, ومن الأربطة التي تحمل المنهج الأبوي النبوي الشرعي الذي كل واحد منكم لو سألته متوقع إنك تتوظف بهذا الموقع, وإلا لن تتوظف؟ لن يتوظف, ما أحد سيوظفك لأنه ما عندك شهادة معتبرة, إذا درست في الجامعة شهادتك معتبرة, إذا درست في الثانوية شهادتك معتبرة, إذا درست في المعاهد شهادتك معتبرة, لكن تدرس في هذه الدار أنت وحظك, وأنا رأيت طلبة علم درسوا في دار المصطفى, وفي رباط تريم, وفي غيرها يشتغلون في مواقع ما تتناسب معهم لضرورة الرزق, هو مطلوب يكون في موقعه الصحيح, لكن الزمان جائر, يمكن أي شاب من الشباب ما يعرف حق الله, ولا يعرف حق رسوله, ولا جالس العلم, ولا جالس العلماء يرتفع خلال ستة أشهر حتى يصبح مسؤول كبير, وأنت تبحث عن طعامك وشرابك لا يلتفت إليك في هذا العصر أحد, إذن أنت في معركة الاختبار كمثل ما مرت معركة الاختبار على الرجال

حبيبنا عبد القادر لما انتقل من هذه البلدة عبر الظروف التي مرت, وانتقل إلى تلك البلاد, كان ساكن في جانب من جوانب مدينة جدة, وينزل الصباح, وينتظر على الدكة حق البيت بغى أحد يعبره بالسيارة, يعبرون أولاد السادة والمحبوبين والمحبين ولا واحد ملتفت, ويستقيم ويصبر, يسلمون عليه ويسلم عليهم ويروحون, حتى أبرزه الله, لما أبرزه الله صار كل واحد يحسب ألف حساب أن ينظر إليه, وينظر إليهم, لكنهم صبروا, يمر عليه أشباهه وأمثاله ما يُعطونه بال.

هذه مراحل الاختبار, فيرى أن أمر الله في عباده, فلا يتغير, ولا يغضب, ولا ينفعل, ولا يتخذ موقف ضد أحد, ويرى أن الأمر هو بيد المحرك, كله بيده, إن أراد الناس أن يقبلوا عليك, لا والله بهمتك, ولا بقيمتك, ولا بعلمك, ولا باسمك, ولا برسمك, ولا يمظهرك, هذا شيء رباني, وإذا أراد الله أن يسلب هذا في لحظة سلبه ولم يَعُدْ هناك شيء من هذا كله, والأمر إليه سبحانه وتعالى.

فحسن المراقبة للنظر في هذه الرجولة التي رباها الرجال فينا وفيكم, ودعينا إليها يجب يا أولادي ويا إخواني الحرص عليها.

الزمان صعب, وما سيأتي أصعب بأمر الله, ونظر الواحد منا بالتفاؤل مطلوب, لأنك وإن رأيت الزمان صعب, وما سيأتي أصعب, فإن باب الخير مفتوح كما سمعنا قبل قليل:

 ما انقطع فضل ربي يا عمر عن عبيده         غير كلٍ غارق في عطيات

هل انقطعت عطيات المولى؟ لكن ضعف الإقبال عليها, لما تكون بضاعة في السوق ما أحد يقبل عليها يضطر صاحب البضاعة هذه أن يغلق الدكان حتى وصل في بعض الناس كان يبيع مصاحف, ويبيع مسابح, ويبيع سجاد للصلاة ما أحد أخذها رجع حولها أشرطة أغاني, وحولها أشياء يُحبُّهَا الناس لأجل كما يقولون عندكم (مطلوب زبائن) ما الذي يريده الناس, مع العلم أن الإنسان إذا كان صاحب مبدأ يصبر, لابد يصبر, وقد يخسر في ظاهر الأمر, وقد يتعب في بادئ الأمر, لكن إذا صبر أظهر الله له سر الصبر, وأجرى الأمور على مقتضى الحكمة الإلهية.

هذا نموذج بارك الله فيكم عن هؤلاء الأئمة الذين هيأهم الله للزمان, وهيأهم الله للإنسان كي يعيدوا هذا الشرف من الرجولة التي وإن كنا جالسناهم, نحن لم نعرف حقهم عن المعنى الصحيح, وهذا كلام صحيح فعلاً ما هو تواضع, ولا وصف لحالنا, لكن ما عرفنا حقيقة حالهم الذي منهحم الله إياه كمثل كثير من الناس من عاصروا النبي ذاته, وما برزت لهم الحقائق كلها, وإن كان برزت منها نسب, وبرزت منها أنصبه, وبرزت منها قسمة, لكن الحقيقة الكلية ما عرفها إلا الحق, وهؤلاء وراث للحبيب صلى الله عليه وسلم, وأشار النبي إلى أنهم سفن النجاة وقال: “ما إن تمسكتم به لن تظلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي آل بيتي”، شيء مخصوص من الله, فإن فتحت أذنك لهذه الأصوات المتنوعة ستجد فيها ما يحرك عندك العاطفة العكسية الضدية, وينفخ الشيطان في عقلك حتى تعتقد أنك على شيء, ثم أنت في هذا النفخ والنسخ والمسخ تخسر كل شيء.

وعندما تصبر , وتستقيم, وتصمد من أجل ربط علاقتك بهذه السفن, والبحث عن مدخل لها, والارتباط بها, والصدق معها, والحمد لله هيأ الله لكم في هذا الموطن جملة من الحبايب, جملة من الشيوخ في هذه البلدة, لا يفوتكم زيارتهم, لا يفوتكم الأخذ عنهم, لا يفوتكم الارتباط بهم, لا يفوتكم التحقق بمحبتهم, واغلق أُذنك عن كلام الضد الذي يصور لك أي إنسان بصورة حاله, بصورة حاله هو المتكلم.

بعض الناس مشغول كما قيل بالمباني, لماذا فلان معه سيارة ومعه بيت وأنا ما معي؟ هذا ما هو حبيب, هذا ما هو عالم, إذا اشتغلت بهذا إذن قطعت الطريق عليك وصرت رذيلة من الرذائل في المجتمع, وأضرب لكم مثالاً في حياة حبيبنا عبد القادر, عندما ارتبطنا به, وهذا بإذن الله بعد موافقة سيدي الوالد, لأننا نحن قطعنا حياتنا بالمجالس التي عقدوها, فجاء أحد الحبايب العلماء وكان في نفسه شيء وهذا الشيء مدبر بأمر الله للاختبار, فقال في مجلس من المجالس يخاطبني لا تروح عند هذا السيد, الأمر كيت وكيت وكيت, يعني عندهم عيوب وعيالهم يفعلوا كذا, وشأنهم كذا, وعندهم بيوت ومعهم سيارات وهذه مظاهر دنيا ماهي مظاهر ولاية, روحوا شوفوا تاريخ أباءكم وأهل الفقر والزهد والذي كانوا ما يملكوا شيء, وحبيبنا صاحب مظهر مثل مظهر الإمام العدني صاحب (عدن) مثل مظهر الفقيه المقدم الذي كان ينفق على أهل تريم, حَدْ ينفق بلا مال, كان صاحب مظهر, وهذا الإمام كان صاحب مظهر, فكان يقول إن هذا غلط لا تروح إلى عنده, لا تأخذ عنه, باتجد أُناس أمثال والدك وكان والدي ما يحب المظاهر, ولا يدخل فيها, ولا يزور أهلها, وهذا نماذج التعدد في هذه المدرسة.

وعندما أنت تصبح أنت أسير لقول فلان, وكلمة فلان, وتعريض علان, أنت تدخل في أكبر اختبار, الآن ذا ولي, وذا ولي مثله, ذا عالم وذا عالم مثله, هذا يقول لك تعال اقرأ وذا يقول لك لا تقرأ عنده, الآن ماذا تعمل, هذا الاختبار, هل أنت صادق في توجهك؟ هل أنت صادق في علمك؟ هل أنت صادق في عملك؟ هل أنت صادق في نيتك؟ هل أنت صادق في انطوائك, اغلق عينك عن كل شيء في هذا العالم.

خذ حقيقة الرجل يكفيك, ما يعنيك إنه غني وإلا فقير, ما يعنيك إنه فوق والا تحت, الذي يفتح لك هذا الباب صم أذنك, لهذا كان الأمر الذي تعلمناه والذي تعودنا عليه أننا رجعنا إلى موطن عرفنا فيه ربنا, وعرفنا منه نبينا, وعرفنا منه سر سلفنا, وعرفنا منه طريقتنا, ولا نلتفت إلى سيارات, ولا لبيوت, ولا مظاهر, ومتى ما هيأها الله لك ولي ولغيرك با تأتيك وانت في مكانك, ما هيأها الله لك ستعيش محسور لن تصل إليك, ستتحسر وستموت, وأنت في حسرتك, لأنك ما رضيت لغيرك كيف سيرضى الله لك, هذه قضية: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه” من الخير.

لهذا قوّوا عزيمتكم برجالكم وشيوخكم وعلمائكم وصلحائكم وكل من له ارتباط بأي طريقة أو ولي أو صالح على تلك الصفة, ما هو الكلام فقط على منهجنا, والا طريقتنا, والا مشايخنا نحن هنا في حضرموت, لكن هذه أمثلة, اصبروا لأجل تدركوها وتفهموها, وبعد انظروا كيف يفتح الله لكم أبواب الخير, تساعدوا على حفظ الأمة, وعلى إعادة ترتيب المجتمع, اليوم المجتمعات كلها بما فيها بلدنا محتاجة لكم, محتاجة لكم في الاطمئنان, محتاجة لكم في الأخلاق, محتاجة لكم في القيم, وكم أنا أتمنى بإذن الله أن يتهيأ الظرف لأجل تصبح شهادات هذه المواطن معترف بها فقط ما هو من أجل إجازة شرعية, لكن من أجل تطمين خاطر طالب العلم عندما يخرج للمجتمع, وينازعه والده وتنازعه أمه, وينازعَهُ الناس, ويقولون له ضيعت عمرك وأنت في دار المصطفى, والا في رباط تريم, والا في الرباط الفلاني, لأنك ما أمنت مستقبلك, والا ما يقولوا لكم هكذا؟.

أنت مستقبلك مضمون, لأن المستقبل الحقيقي ليس في الدنيا, المستقبل الحقيقي هو الآخرة, والذين ترتبط بهم هنا في هذه المواطن, وفي غيرها يضمنون لكم هذا الأمر بعد التزامك.

وأما الرزق فهو بيد الله: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ () فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات:22-23] بقي علينا حسن التوكل, وترك التواكل, ومعرفة الرجولة في الرجال, حسن الارتباط, والصبر على ما يجب عليه الصبر, وزيادة العلم, وزيادة العمل, والتوسع في المعرفة, وأخذ نصيب مما نحتاج إليه عن طريق شيوخنا ورجالنا, وصرف نظرنا ونظركم عن كل شبهه, أقول في هذا المجلس المبارك شبه طلبة العلم كثيرة أمام الحركات الموجودة في الساحة, في حركة مرتبطة بحب آل البيت بحق وباطل, في دعوات مرتبطة بالكتاب والسنة بحق وباطل, في دعوات مرتبطة بالعلمانية بحق وباطل, وهذه الدعوات ليست عند عالم الكفر, هي موجودة عندنا نحن المسلمين, كيف أنت تتحصن لأجل لا تدخل في شيء من هذه الكتل التي بنيت على أربعة وقد تكلمت معكم في درس سابق, بنيت على التوسيد الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم, وبنيت على ضياع الأمانة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم, وبنيت على التحريش الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم, وبنيت على المنافسة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم, فافهمها واحذرها, فهذه الأربعة التي بسطت في هذا العالم الانحرافات حتى فيمن يسمى بطالب علم, فصار العلم أشبه ما يكون بعلم الخدمات, وبينما علم أهل الله مات نسأل الله اللطف والسلامة, وأن يحيي فينا ما مات بسر الصالحين وبركة الصالحين وبركة سيد المرسلين وبركة هذه المواطن وبركة النيات الصالحة التي نواها فيها رجالها.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر كل ذنب, ويستر كل عيب, ويصلح كل شأن, ويقضي كل حاجة, ويبارك لنا في مشايخنا وعلمائنا وصلحائنا ورجالنا وأهل ودنا, ويتغشى شيخنا وحبيبنا عبد القادر بواسع الرحمة والمغفرة, وندرك وإياكم نصيب من سره, ونصيب من علمه, ونصيب من عمله, ونصيب مما منحه الله كما سمعتم (فالساقي باقي).

اللهم يا ساقي اسق قلوبنا وأرواحنا مما سقيت به قلوب وأرواح عبادك الصالحين, وبارك في هذا الدار ومن علم وتعلم فيها ومن خدم ومن قدم, وارزقنا وإياهم السير على القدم بالقدم, والصدق بالصدق, والاخلاص بالإخلاص والصفات بالصفات والذوات بالذوات, وحفظنا من الشيطان ومن النفس ومن الهوى ومن الدنيا ومن الأذى ومن البلاء ومن المحن ومن الإحن ما ظهر منها وما بطن.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بسر أسرار الفاتحة وإلى حضرة النبي….

محاضرة للمفكر الإسلامي الداعية إلى الله الحبيب/ أبي بكر العدني ابن علي المشهور في دار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية بتاريخ 1 جماد الأول 1431هـ

 بعنوان: نموذج تربية السلف من خلال عرض حياة الحبيب عبد القادر السقاف في الخلف

آخر المنشورات

  • أخبار 24 أبريل, 2024 افتتاح الحلقة العلمية الرابعة في ذكرى رحيل العلامة الحبيب علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ بسيئون
    24 أبريل, 2024 افتتاح الحلقة العلمية الرابعة في ذكرى رحيل العلامة الحبيب علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ بسيئون

    برعاية كريمة من العلامة الحبيب عمر بن محمد بن سالم بن حفيظ عميد دار المصطفى، ومجلس الموجه العام لأربطة التربية الإسلامية تابع القراءة

    افتتاح الحلقة العلمية الرابعة في ذكرى رحيل العلامة الحبيب علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ بسيئون
  • أخبار 29 أكتوبر, 2023 تهنئة وشكر في ختام فعاليات الحلقة العلمية في ذكرى دخول الإمام العيدروس إلى عدن
    29 أكتوبر, 2023 تهنئة وشكر في ختام فعاليات الحلقة العلمية في ذكرى دخول الإمام العيدروس إلى عدن

    يشكر مجلس مكتب الموجه العام لأربطة التربية الإسلامية ومراكزها التعليمية والمهنية تابع القراءة

    تهنئة وشكر في ختام فعاليات الحلقة العلمية في ذكرى دخول الإمام العيدروس إلى عدن
  • أخبار 29 أكتوبر, 2023 اختتام فعاليات الحلقة العلمية الثانية والعشرين بندوة: إحياء منهجية رجال النمط الأوسط في مراحلنا المعاصرة
    29 أكتوبر, 2023 اختتام فعاليات الحلقة العلمية الثانية والعشرين بندوة: إحياء منهجية رجال النمط الأوسط في مراحلنا المعاصرة

    ندوة علمية بعنوان: "إحياء منهجية رجال النمط الأوسط في مراحلنا المعاصرة" تابع القراءة

    اختتام فعاليات الحلقة العلمية الثانية والعشرين بندوة: إحياء منهجية رجال النمط الأوسط في مراحلنا المعاصرة
  • من أقوال الحبيب

    إن من واجب العلماء والعقلاء من الحكام ومنفذي قرار العلم والديانة أن يقدروا للأمانة قدرها فيعملوا ما استطاعوا على إعادة لحمة العلاقات الإيمانية بين المذاهب والجماعات والأحزاب والفئات والطوائف والتيارات على أساس مفهوم القواسم المشتركة

    إن قراءة الأمة في مناسباتها الإسلامية تاريخها الشرعي من خلال سيرة الشهور الهجرية وذكرياتها الأساسية على عهد صاحب الرسالة خير باعث علمي وعملي لغرس مفهوم العزة بالله ورسوله ومفهوم النصرة الإيمانية تجاه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مراحل التحول والتبدل والتحلل المعاصر

    إن الإسلام ديانة.. والديانة ثوابت وأسس ومقومات وبمقدار إعادة الشعوب علاقتها بالديانة والتدين يبدأ مشروع التحصين الإيجابي ضد فيروسات الانحلال والابتذال في حياة النساء والرجال

    الدين سلاح الإيمان والأمان.. من وجهة نظر الإسلام، أما من وجهة نظر أعدائه فهو أفيون الشعوب.. ومن حيثما نبعت ينابيع المعرفة للرجل والمرأة جاء الماء زلالا يحيي الموات، أو ملحا أجاجا يهلك الحرث والنسل والنبات.

    كن كما تريد في الكتل والجماعات والمذاهب.. فلا علاج ولا حلول.. ولكن القيمة الفعلية تبدأ بمقدار معرفتك لقيم الآخرين بقواسم الديانة المشتركة وتوحيد الجهود نحو الهدف الغائي المشترك وبهذا تبدأ الخطوة الأولى في المعالجة

    الحبيب أبوبكر المشهور

    استطلاع رأي

    ما رأيك في الموقع؟

    التصويتالنتائج