عبادة الهوى (زواج المثلية)
- تاريخ النشر: 21 أكتوبر, 2015
- التصنيف: الصعيد العالمي، المدونة
كان بديهياً في عصر كهذا وأمة مسلوبة القرار والاستقرار أن يصدر في دولة من دول الشرعية العقلانية المعاصرة، دولة معبودة لدى العقل الإعلامي المعاصر قانون الإباحة للعلاقة الشاذة بين الجنسين، أو ما يسمى بزواج المثلية، وبصفة رسمية علنية، وبهذه يحق للرجل أن يتزوج مثله والمرأة كذلك.
وهم يرون في مبدأ عبادة الهوى أن هذا قمة الحرية في منح الإنسان مطلبه الطبيعي، واستمتاعه بحق من حقوقه التي يرغبها ويهفو إليها، بل ويرون في المعادل القيمي الآخر حَجْر على الحرية الشخصية وتحجر فهم علاقة الإنسان بالإنسان، ومع أن هذا الفعل الشنيع كان فيما سبق في قوانينهم الوضعية جرماً يعاقب على إعلانه القانون، ويمنع من ممارسته أو الدعوة إليه بصفة علنية، ولكن انعدام الضابط الشرعي في تلك العقول الجاهلية، رغم حضارتها وعلمها المادي وعقلياتها العبقرية، وسقوطها في أدنى اعتبارات العقل السليم، قد جعل الأمر يتطور لدى شعوب قادتها وبرلمانها، وحملة قرارها أن يجتمعوا كما اجتمع قوم لوط في ماضي الزمان والتاريخ ليصدروا أمراً، و يتفقوا على تعميم هذا النموذج البشع من الشذوذ، وكان من أمرهم ما كان.
إن الأمة الإسلامية التي أقرت لله بالوحدانية وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة تستنكر وتستقبح وتجرم هذه العقول الشاذة المنحطة التي لا تتساوى مع البهائم فضلاً أن ترقى إلى مستوى الإنسان.
فالبهائم لا تمارس مثل هذا الفعل إلا على صفة الشذوذ، حيث لا مكان له في الفطرة الوجودية، والبهائم لا تملك عقلاً مسؤولاً، ولا تلتزم بشرعة ولا قانون، ولكنها تملك طبيعة سليمة، وأصحاب الطبيعة السليمة هم القاعدة المثلى في تطبيق مراد الخالق في العالم.
وكفاهم وكفى كل مدرك حجم المأساة أن يصنف الجميع هذا السلوك الشائن بالشذوذ .. والشاذ والشذوذ مخالف للقاعدة الشرعية والفطرة الطبعية، بل ومعطل لوظائف الحياة، ولأننا أمة مسئولة وعلينا واجب شرعي نحو هذه الظواهر، فيلزمنا إبداء وجهة النظر التي نعلمها حول هذا الإسفاف المتعمد.
ووجهة نظرنا هي وجهة نظر الإسلام وموقفنا هو أيضاً موقف الإسلام، والقرآن العظيم يحكي لنا ولغيرنا خطر الأخذ بالعادات الشاذة ويحاربها ويتوعد أهلها بالعذاب الأليم.
بل ويعلمنا كيف نقرأ هذه الظواهر ونحلل القائمين عليها، ونتعرف على مدى الانحراف العقلي والطبعي وارتباطهم المباشر بهوس الشيطان ومكره وفساده في الأرض والإنسان، فالإنسان هدف مقصود لدى الشيطان بصرف النظر عن ديانته أو عدمها.
ومما حكاه القرآن في هذا المضمار استحسان العقل المنحرف لسوء عمله وتصوره (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله).
وهذه الآيات ومثلها تقرير شرعي يُعَرِّفنا مدى الغرور والصلف الذي يصيب العقل البشري الكافر، وأن الرسالة الخاتمة التي لم تزل مسئولة على المراحل الإنسانية المعاصرة من حيث التقييم والتمحيص سارية المفعول ومجتمعة الشروط، وبها لا بغيرها بمكن إدانة الانحراف بكل نماذجه سواء في العالم الإسلامي، أو العالم الإنساني، وليس شرطاً أن يستجيب لنا أحداً من العالمين، وإنما الشرط علينا هو البلاغ.
والبلاغ مشروع النبوة الموروث في الأرض بل آخر المشاريع الإيمانية والفكرية المستقيمة في عالم الإنسان، ويجد المستبصر في مادته الشرعية القرآن والسنة كافة النماذج المتكررة في انحراف الشعوب وشذوذها، ومن النموذج (قوم لوط) وهم الذين وصفهم الله بقوله: () وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29))، ودارت بعد هذه الحادثة مناقشات ومناكفات بين لوط وقومه تشير إلى إمهال الحق سبحانه الظالمين إلى يوم موعود وأجل معدود: (إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35))، وهنا يأتي توجيه الحق سبحانه للشعوب الإنسانية كي تحذر من الوقوع في مثل هذا الانحراف المفسد طبيعة سير الحياة: (وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، فالذين لا يعقلون من الأمم اللاحقة والشعوب المتلاحقة تأخذ بهم السكرة والشهوة كي يقعون فيما يفسد الإنسانية كلها، ولهذا خاطبهم في آيات أخرى فقال: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)، ولم يكن لدى لوط من قومه إلا أن قالوا له: (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ)، وفي سورة الأعراف: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، بل ويتوعد الله كل من عمل عمل قوم لوط تحت أي ظرف وفكر وأمة من الأمم اللاحقة بالهلاك المشابه لهلاك أولئك فقال: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ 83).
والشذوذ والإباحية الجنسية بكل صورها عمل شيطاني مدمّر، وبها يدمر الفرد والأسرة والأمة سواء كانوا في أمة الإجابة من المسلمين، أو في أمة الدعوة من كافة الشعوب الذين بلغتهم دعوة سيد المرسلين.
وليس أحد اليوم في عالمنا المعاصر من لم تبلغه الدعوة الإسلامية المحمدية من الأمم والشعوب وخاصة (دول المنظومات الحضارية والشرعيات الدولية) كما تسمى، فيكون التحدي والتعدي وإصدار مثل هذه القوانين وإعلانها رسمياً صلف وأي صلف، وكبر وأي كبر .. حيث يتحدون الخالق وحده، ولا يتحدون الإسلام فقط، فالإسلام اليوم قد أصيب في أعظم مفاصله المتحركة فنزع قراره من يد أهله، وسلم قراره لمن لا خلاق له، إلا من رحم الله.
والخالق وحده كفيل بأمرهم، ومطلع على تعديهم وتحديهم، ونحن هنا نعلم يقيناً أن ساعة الانتقام الإلهي ليست ببعيدة كما قال تعالى: (وما هي من الظالمين ببعيد) (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبل).
وأساس ما نحن بصدده تنبيه الأمة الإسلامية التائهة في سكرة الإعجاب بالغرب وقوانينه وديمقراطيته وحضارته، فالدين الإسلامي فوق هذه المسميات ومهيمن عليها ولكنا نحن المسلمون فرطنا فيه وشغلنا عنه بالأدنى، وعظمنا من لا يستحق التعظيم، وفخمنا من لا يستحق التفخيم منذ سلب قرارنا وانتزع استقرارنا، وها نحن نتخبط في مهاوي الاستتباع والاستمتاع منجرين خلف السراب إلى حشد أبنائنا وبناتنا في مسارب جحر الضب لينالواشهادات الخدمات، ويصطفوا في أروقة المؤسسات والشركات متساهلين بأمر الديانة ومحتقرين شرف الأمانة ومعتقدين العزة القصوى في انتمائهم للغرب المتحمل والشرق المتكتل، ولا مزيد على ما نحن فيه، ولعل ما ستأتي به الأيام والليالي أعظم وأطم .. كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يصبح قانون الشذوذ الكافر أحد عادات المجتمعات المنتمية للإسلام وأرض الإسلام والمعترض عليه مخالف للقانون ومعاقب على مواقفه.
إن دورنا الدعوي هو بسط الحقيقة لمن يرغب في معرفتها، أما من استغنى بطغيانه ووعيه وكيانه فكفى أن نشير إليه بقول الله تعالى: (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى).
فالقوانين الوضعية قد اثبتت رداءتها وإسفافها برداءة وإسفاف من وضعها وخاصة في ضابط القيم والأخلاق.
وليس من شغلنا ضبط أخلاق الشعوب الكافرة في العالم وإنما واجبنا تحذير الشعوب الملتزمة بدين الإسلام من انحراف القوانين والإعجاب بها، وخاصة بعد أن بدأ العد التنازلي لدى المسلمين ليغرقوا في وحول التنصير والتنظير بعد أن غرقوا من قبل في التشطير والتبرير والتشريك والتكفير، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم.
الحبيب أبي بكر العدني ابن علي المشهور
التاريخ:26 رمضان 1436هـ