الورقة الثانية: من واقع المعايشة
- تاريخ النشر: 10 أغسطس, 2013
- التصنيف: غير مصنف
من واقع المعايشة: من هو الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف
نكرر حمدنا لله ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله وآله وأصحابه ومن تبعه ووالاه.. ونشير في ورقتنا الثانية إلى ما نحن بصدده من التناول لشخصية شيخنا وإمامنا الحبيب عبد القادر وإبراز ما نحتاجه من قيم وآداب ومواقف لنستفيدها في معالجة الأمور العامة والخاصة.. باعتبارها خلاصة تربية ومجموع تجربة، وهي أيضاً في حقيقتها تجديد واع لمنهج الأخلاق السامية التي يوصف بها نبي الأمة في معاملاته لموافقيه ومعارضيه، وقد كان شيخنا الحبيب عبد القادر أحد الراعيين لهذا الخلق الشرعي العظيم.
عندما وصلت من بلاد اليمن عام 1401هـ إلى أرض الحجاز والتقيت بسيدي الوالد علي بن أبي بكر المشهور الذي كان حينها يعمل إماماً وخطيباً لمسجد رمضان بالشرفية، ألححت على موافقته لي بالسفر إلى مصر لإتمام دراستي الشرعية في الأزهر الشريف وكانت تلك رغبتي الجامحة منذ أن عرفت نفسي, وأشار عليَّ سيدي الوالد أن أتريث في القرار لما كان يعلمه من تغير أسلوب الدراسة في الأزهر وتحوله من جامع إلى جامعة وما طرأ على الدراسة من تحديث واختلاط.. وغير ذلك فما كنت اعتقده وأنا أسمع والدي يتحدث عنه إنها مجرد صوارف ذاتيه لبقائي في محيط وجوده وحاولت أن أسعى لاستخلاص منحة دراسية إلى الأزهر وكدت أن أنجح ولم يبقى إلا موافقة والدي رحمه الله.. فقال لي سيدي الوالد: أرى أن نستشير في الأمر الحبيب عبد القادر فرضيت بذلك وذهبنا إليه في أحد الأيام صباحاً حيث يعقد الدرس اليومي، وكان الحاضرون لا يتجاوزون الثلاثة أو الأربعة فبسط سيدي الوالد للحبيب ما أنا بصدده واستشف الحبيب من كلام سيدي الوالد عدم الفرح بالسفر.. فقال لي بعد أن حدق النظر طويلا.. إذا جاء وقت الأزهر سنرسلك.. والآن هات كتاب الدعوة التامة للإمام الحداد وإقراء عندنا في الغد في المدرس وانتهت المقابلة، وخرجت لا بحث عن الكتاب المشار به وجئت في اليوم التالي لأقرأ.. ولم أستفق لما كنت بصدده إلاّ مع وفاة سيدي الوالد عام 1402هـ وقد تمكن من قلبي حبّ هذه الحضرة وما فيها ولم أعد أفكر في غيرها.. حتى من مجالس (جده) العديدة والكثيرة، فكنت انتظر اليوم التالي رغبة في الحضور والمشاهدة والاستفادة، ولا يطمئن خاطري ليوم لا درس فيه، مع أني لا أجد تفسيرا لهذا الاندفاع إلاّ رغبتي في التعليم والاستزادة، ولم يدر بخلدي بادئ ذي بدء أن هذا من سر تأثير الشيوخ على المريدين إلا بعد سنوات من المجالسة والمعايشة.. وعندها عرفت سر التجاذب والنظر والمحبة والتعلق والتذوق والتشوق والارتباط، ومراتب الأنس بالله.. وبحب الله.. وحب رسول الله وحب آل البيت وحب الصحابة.. وحب التابعين وحب الصالحين في كل زمان ومكان.
لقد زالت عن قلبي سخائم النقائض والنقائص في أقرب الناس إليّ في المجلس والمنزل والحياة.. وعرفت من سر هذا العلم أن النقص في الإنسان طبع وأن الطبع لا يقابل بالطبع.. وإنما يقابل بأدب الشرع.. وهذا ما رأينا شيخنا يمارسه مع أضداده ومخالفيه بل وحتى منافسيه وأنداده، وشهدنا تطبيق ذلك في أولئك الجفاة الذين يخالطون العالم والصالح بمنطق التكبر والتجبر والعلوّ والاستخفاف بالغير ولو كان من صالحي الأمة.. فضلاً أن يكون من أعلام آل البيت النبوة..
الهدوء والابتسامة وحسن المخاطبة والاعتراف بالآخر وامتصاص العداوة باللين، وعدم الانفعال، واحترام رأي المخالف وإن لم يقتنع به، مع الدفع بالتي هي أحسن، وهذا ما لم نجده لدى غيره من الشيوخ الذين لزمناهم وعرفناهم في حياتنا العلمية والعملية..
وكفى بهذا الأزهر من وجهة نظري مدرسةً أبويةً نبويةً تستحق الدراسة والتحقيق والشهرة والإظهار لأنها المدرسة التي قال فيها سبحانه وتعالى: (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) اللهم يا من رزقت عبادك الصالحين الصبر ولقَّيتهم الحظ العظيم.. هيئ قلوبنا وأرواحنا وأجسادنا لحسن الإتباع وكمال الانتفاع وسلامة الارتفاع بِلا غي ولا كبر ولا فتنة.. واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم آمين.