الورقة الأولى: فَقْدُ الرِّجَالِ رَزِيَّةٌ

  • تاريخ النشر: 1 أغسطس, 2013
  • التصنيف: غير مصنف

قليل في عصرنا من يُدرك ثقل المسؤولية، ومن أدركها منا كان إدراكه تحت وطأة اختيار النفس لا اختبارها، وهذا ما يحدد مفهوم (الرجولة) كمرتبة وموقف من (الرجولة) كنوع وجنس. فالنوع والجنس عدد غير قليل بل هم قومٌ كُثُر.

أما المرتبة والموقف فقليل وقليل جداً، ولكن عجلة القيادة في أمر الدين والدنيا لا تقوم إلا على المتصفين بالرجولة المشار إليها إذ إنهم أدركوا مفهوم المسؤولية، ولابد أن يعملوا من أجلها ووفق الحاجة الملحة لأداء مهماتها.. مهما كلفت الأمور.

والفقيد الذي نتناول الحديث عنه هنا يأتي في مقدمة الرجال المتصفين بهذه المعاني الرجولية وبها يتفرد عن أقرانه وأشباهه، وبها يتميز في ليله ونهاره عادة وعبادة، ديناً ودنيا، ومن دون تكلف أو تشوف، وإنما هي الجبلة التي فطره الله عليها، ووجدت منذ الصبا من يصقلها ويكفلها حتى صارت للخير طائعة وللفضائل جامعة، ولولا معرفتي الشخصية بحياته ومماته من حيث علمت ما تجرأت على ما قلت وكتبت، وجرأتي هنا سبب في كشف حقيقة غابت عن الجيل الشبق النزق، الجيل الذي ولد ونشأ وشب وشاخ في خضم الشهوات ومطالب الأجساد وتسييس الأضداد، لا هو اعترف بالخطأ فعمل على تصويبه، ولا هو تعلم من أهل الصواب لينقدح في قلبه سر ما لا يدري به، وهذه رزية أخرى، أعقبت في التدبير والتقدير والتحليل والتصوير رزايا متعاقبة، وأقل ما يمكن أن يقال فيها: إنها تربية وحياة منعدمة التدرج فيما عرف من مراتب الإحسان.

والإحسان في منهجنا الإسلامي الشرعي أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهو الركن الثالث من أركان الدين في حديث أم السنة (حديث جبريل) ، وكأني بهذا الركن قد أُهمِلَ ونسيه الناس، ولم يبق لحقيقته مكان، ولا يتعلم منه أحد في هذا الزمان إلا من رحم الله.

وفقيدنا الإمام المربي العلامة الفهامة كان ممن رحمه الله في حياته بالإحسان، حتى مات على منهج السلامة والأمان، وهذا ما نعلمه ونُشهد الله عليه، ولا نزكي على الله أحداً.

إن حياة شيخنا الإمام عبدالقادر بن أحمد السقاف تعج بالدروس وإحياء النفوس في ذات الله، وتبدأ بادئ ذي بدء بمرحلة التنشئة الأولى، حيث كان والده الإمام أحمد بن عبدالرحمن يربيه ويوليه الاهتمام رغبة في تحقيق آماله فيه وأن يجعله نسخة منه وإليه:
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه

والتربية مسؤولية ، وهي غراس الرجولة في دم ولحم الرجال، سواء كانوا ذكورا أم كن ربات الحجال، فالرجولة كما أشرنا سلفا موقف ومرتبة، وليست نوعاً ولا جنساً.

والمربون الأوائل لم يكن أحد منهم يلتفت إلى مسألة تكوينات الحياة الدنيوية ومطالبها إلا في حدود وحدود ضيقة جدا، ولكنه يعمل على تكوينات الحياة الأخروية ومتعلقات النجاة فيها ، وهذا ما يميز بين جيل السلف وجيل الخلف من جهة المواقف والمراتب ، ودراستنا لشخصية فقيدنا من جانب والتأمل في نتاج خدمته للدين والحياة الإيجابية من جانب آخر تكشف لنا سر التكوينات التي عاش ومات عليها.. رحمه الله.

وكأني بالكثير من الخيرين في الجيل المعاصر من يرغب في بسط الحديث عن هذه المسألة ولو لمجرد العلم والاطلاع، وسألبي بعض ما يرجونه، عن رغبة واقتناع، مع علمي بمعنى قول القائل:

وعين الرضى عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا

فالذين ينطلقون من (عين السخط) لا يفهمون ما نحن بصدده ويشغلون الجميع بما هم في صدده، ولكل وجهة هو موليها، فلا مجال لإدراك الحقيقة عند هؤلاء بطبيعة الحال كما يقال.

وأما (عين الرضى) فمن مزاياها النظر في المحاسن وخاصة إذا كان الحديث عن مثل فقيدنا الراحل عليه رحمة الله، حيث نعتقد أن المساوئ لا تخطر على باله إلا إذا جاءت عرضا وعلى غير رغبة واستتباع، وهذه ليست عصمة كما قد يفسرها البعض، وإنما هي الحفظ والكلاءة الربانية، وهي أيضا آثار التربية النورانية.

وسأتناول ما استطعت مما أنا بصدده في هذا المجال وفق اتساع الوقت على غير مزاحمة لوظائفه، فإلى التفصيل في الورقة الثانية إن شاء الله تعالى…

من أقوال الحبيب

إن من واجب العلماء والعقلاء من الحكام ومنفذي قرار العلم والديانة أن يقدروا للأمانة قدرها فيعملوا ما استطاعوا على إعادة لحمة العلاقات الإيمانية بين المذاهب والجماعات والأحزاب والفئات والطوائف والتيارات على أساس مفهوم القواسم المشتركة

إن قراءة الأمة في مناسباتها الإسلامية تاريخها الشرعي من خلال سيرة الشهور الهجرية وذكرياتها الأساسية على عهد صاحب الرسالة خير باعث علمي وعملي لغرس مفهوم العزة بالله ورسوله ومفهوم النصرة الإيمانية تجاه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مراحل التحول والتبدل والتحلل المعاصر

إن الإسلام ديانة.. والديانة ثوابت وأسس ومقومات وبمقدار إعادة الشعوب علاقتها بالديانة والتدين يبدأ مشروع التحصين الإيجابي ضد فيروسات الانحلال والابتذال في حياة النساء والرجال

الدين سلاح الإيمان والأمان.. من وجهة نظر الإسلام، أما من وجهة نظر أعدائه فهو أفيون الشعوب.. ومن حيثما نبعت ينابيع المعرفة للرجل والمرأة جاء الماء زلالا يحيي الموات، أو ملحا أجاجا يهلك الحرث والنسل والنبات.

كن كما تريد في الكتل والجماعات والمذاهب.. فلا علاج ولا حلول.. ولكن القيمة الفعلية تبدأ بمقدار معرفتك لقيم الآخرين بقواسم الديانة المشتركة وتوحيد الجهود نحو الهدف الغائي المشترك وبهذا تبدأ الخطوة الأولى في المعالجة

الحبيب أبوبكر المشهور

استطلاع رأي

ما رأيك في الموقع؟

التصويتالنتائج